تعد حرب أكتوبر 1973 واحدة من أبرز الصفحات البطولية في تاريخ مصر، وقد شهدت هذه الحرب مشاركة وتضحيات عديدة من قبل الشعب المصري في مختلف المجالات، بما في ذلك القطاع الصناعي، ومن بين الشركات التي لعبت دورًا مهمًا في تلك الفترة الحرجة كانت شركة بسكو مصر، وقها و إدفينا تلك الشركات قدمت مساهمة قوية لجهود الحرب ودعم القوات المسلحة المصرية.
تاريخ شركة بسكو مصر:
تأسست شركة بسكو مصر في عام 1957، وهي تعتبر واحدة من أبرز الشركات الصناعية في مصر والشرق الأوسط، تخصصت الشركة في إنتاج وتوزيع المنتجات الغذائية، ومنتجاتها تشمل البسكويت، والمعجنات، والشوكولاتة، والحلويات.
مساهمة بسكو مصر في حرب أكتوبر:
خلال حرب أكتوبر 1973، كان لشركة بسكو مصر دور هام في توفير الإمدادات الغذائية للقوات المسلحة المصرية، قامت الشركة بزيادة إنتاجها وتوجيه جهودها لتلبية احتياجات الجيش والجنود في الجبهة، وقد تم تعبئة وتغليف المنتجات الغذائية الأساسية، مثل البسكويت والخبز والمعجنات، بكميات كبيرة لضمان توفرها للقوات المسلحة، كانت بسكو مصر وقتها الممد الرئيسي للقوات المسلحة، إن مساهمة بسكو مصر في حرب أكتوبر يعد مثالًا بارزًا للدور الذي تلعبه الشركات الصناعية في تعزيز قدرات الدولة خلال الأزمات والحروب، بسكو مصر قدمت دعمًا غذائيًا هامًا للقوات المسلحة المصرية، وتمتعت بتقدير واحترام كبيرين على صعيد المجتمع المصري والعالمي بعد مشاركتها النبيلة في حرب أكتوبر.
قها وإيدفينا في أكتوبر
يرجع تاريخ الشركتين العريقتين، إلى خمسينيات القرن الماضي مع تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حكم مصر عقب ثورة 23 يوليو 1952، حيث كانت فكرة تأسيس الشركات القومية الوطنية، التي تملكها الدولة وتديرها بشكل كامل، هي الشغل الشاغل لتلك المرحلة، وسادت الفكرة كل القطاعات الاقتصادية بالدولة، سواء الصناعات المعدنية، حيث تم تأسيس مجموعة من الشركات، على رأسها “الحديد والصلب”، و”مصر للألمونيوم”، وكذلك قطاع الغزل والنسيج، بتأسيس عدد من الشركات على رأسها “المحلة للغزل”، وأيضا بقطاع الأغذية والمشروبات، وجرى تأسيس شركتي “قها” و”إدفينا”.
إدفينا وقها والتحول من الخصصة مع التأميم
إن شركتي “قها”، و”إدفينا”، كانتا تابعتين للقطاع الخاص قبل الخمسينات، وبعد أن دخلتا الشركتين ضمن الشركات التي تم تأميمها عقب تأميم “قناة السويس” عام 1956، بدأت الحكومات التي أعقبت فترة التأميم في تطوير الشركتين بشكل كبير، حتى استطاعتا السيطرة على قطاع الأغذية والمشروبات في مصر والدول العربية، ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل من فترة الستينيات، وحتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين.
إن النظام الاقتصادي إن ذاك ساعد “قها” و”إدفينا” على الاستحواذ على قطاع الأغذية والمشروبات، حيث كانت مصر تتبع نظاماً اقتصادياً اشتراكياً، ذا تخطيط مركزي احتكاري، يمنع دخول شركات القطاع الخاص في منافسة الشركات الوطنية، بخاصة في القطاعات الاقتصادية الرئيسة، مثل: الغزل والنسيج، والحديد والصلب، والأغذية والمشروبات، والتبغ والدخان.
هذا ساعد الشركتين على التوسع بشكل كبير، حتى بدأت شركة “قها”، في تصنيع الوجبات الساخنة الطازجة المطبوخة، كانت الشركة تصنع وجبات من الخضار، واللحم المحفوظ، وأصبحت هي المورد الرئيس للجيش المصري في حرب يونيو عام 1967، ثم في حرب أكتوبر 1973، ثم بدأت في تقديم الوجبات ذاتها إلى الدول العربية، نظراً للطبيعة الصحراوية التي تغلب على مناخ الأغلبية من هذه الدول، علاوة على المذاق الجيد للخضراوات المصرية، التي تمتع بمذاق يجذب المستهلك العربي حتى الآن.
“الطبيخ بالبسكويت” غذاء المجندين المفضل
بعد مضي حوالي 10 أيام من الحصار، وصلت الإمدادات إلى حد أن الجنود كانوا يأخذون تعيينات زملائهم القتلى، وعلى الرغم من رحلات الإمداد البرية والبحرية، كان هناك قلق بشأن قدرتهم على توفير الطعام مرة أخرى، لذلك، قام ” المقدم الشهيد إبراهيم عبد التواب” بتوزيع نصف تعيين الطعام على كل فرد، ومع ذلك، لم ييأس الجنود ولم يفقدوا الأمل، خاصةً بالنظر إلى العروض المغرية من العدو بتبادل الرايات البيضاء مقابل “سندويشات البرجر” و”التفاح”.
يقول ” اللواء محسن علام “: “أثناء وجودنا، كنا نسمع اليهود ينادون بأسمائنا ورتبنا ومواقعنا، ويحاولون إقناعنا بالعودة لأهلنا بأمان”، وكانوا يحصلون على هذه المعلومات من الأسرى الذين تم القبض عليهم من السرية الثالثة الموجودة في المؤخرة، وعلى الرغم من ذلك، لم يتراجع أحد أو يستسلم.
ويرجع ذلك جميعًا للبطل “المقدم الشهيد إبراهيم عبدالتواب”الذي كان يدعم الجنود نفسيًا بثباته، وهذا ما دفع الجنود الجائعين للتمسك بنضالهم وجعلهم يزدادون قوة وروحًا فكاهية، يقول “علام” بابتسامة: “كنا نطبخ بالبسكويت والخضار”، ويؤكد أن هذه الأفكار كانت تجلب البهجة والأمل إلى قلوبهم، وذلك بفضل قائدهم العظيم، يواصل “علام” قائلاً: “قال لي الشهيد عبدالتواب: “يا محسن، أنت ستصبح الشيف الخاص بنا، أنت المسؤول عن الطبخ'”، ويضيف قائلاً: “في البداية، كنت حائرًا حول ماذا أطبخ، كنت أضع شحم الخضار لأشعر أنني أطبخ بشكل حقيقي، ثم أضع الماء بكمية كبيرة في القدر، وأفرك البسكويت ليتحول إلى كتلة في الماء، وأضيف الفول والخضار والأرز وكنا نستمتع بتناوله بسعادة عارمة، كانت تلك أفضل لحظات حياتنا.
إن روح الصمود والتضحية كانت العنصر الأساسي الذي سمح للجنود بالتغلب على الصعاب والاستمرار في مواجهة العدو، حتى في ظل الحصار ونقص الإمدادات، لم يفقد الجنود الأمل والإرادة، بل استخدموا إبداعهم لتحويل البسكويت والخضار إلى وجبات شهية ومغذية، كانت هذه اللحظات البسيطة للتواصل والتلاحم تعزز الروح المعنوية للجنود وتضفي البهجة والأمل على حياتهم.
بهذه الطريقة، تروي هذه القصة قصة الصمود والإرادة في وجه التحديات والمحن، فالإرادة القوية والتعاون والإبداع يمكن أن يتحولوا حتى الطعام المحدود إلى وجبات لذيذة ويعززون روحهم المعنوية في أصعب الظروف، وتذكرنا هذه القصة بأهمية الأمل والتفاؤل والتمسك بالقيم الإنسانية في أوقات الأزمات.
تبقى هذه القصة شاهدة على قوة الإرادة البشرية وقدرتها على التغلب على الصعاب، إنها قصة عن الأبطال الحقيقيين الذين استخدموا الإبداع والتفاؤل للتغلب على المحن والوقوف بوجه التحديات، ومن خلالها، نستلهم القوة والشجاعة لمواجهة أي صعوبات قد تواجهنا في حياتنا.